بقلم المهندس:طارق بدراوى
مدينة دمياط هي عاصمة محافظة دمياط بأقصى شمال مصر وبعدها بـحوالي 15 كم يصب فرع دمياط من النيل في البحر الأبيض المتوسط عند رأس البر وتقع علي بعد حوالي 230 كم من القاهرة ويفصلها شريط ضيق عن بحيرة المنزلة وإلى الجنوب الغربي منها تمتد مزارع وجه بحري بدلتا النيل وسهولها وهي من أجمل مدن مصر حيث تتميز بسواحلها الطويلة المطلة على النهر والبحر وهوائها العذب وطقسها المعتدل الذي ينعكس على تصرفات شعبها فسمات الدمايطة النشاط والجدية والإتقان في العمل وكثرة الإنتاج وهي من اقدم مدن مصر ولها تاريخ طويل منذ العصر الفرعوني وسوف نخصص مقالنا القادم بمشيئة الله تعالي للحديث عن تاريخها ويعتبر ميناء دمياط والذى تم إنشاؤه في ثمانينيات القرن العشرين الماضي أحد أهم موانئ مصر حيث يستقبل السفن المحملة بالبضائع الواردة إلي مصر وكذلك تبحر منه السفن حاملة البضائع المصدرة خارج مصر وسوف نخصص له أيضا مقالا خاصا بإذن الله تعالي
وتتميز دمياط بكثرة مزارع الجوافة وخصوصا في مدينة كفر البطيخ القريبة منها وأيضا أشجار النخيل البالغ عددها نحو 2.5 مليون نخلة والتي تغطى الساحل من رأس البر شرقا وحتى مصيف جمصة التابع لمحافظة الدقهلية غربا ومن البحر شمالا وحتى الطريق السريع وجنوب قرية الرياض جنوبا بإستثناء منطقة دمياط الجديدة وقد صدرت دمياط فوق المليون نخلة إلى عدة دول أهمها اليونان والصين كما تشتهر دمياط بزراعة أجود أنواع البطيخ والشمام والقاوون والقرع العسلي والكنتالوب بالإضافة إلي أنه يوجد بها العديد من المعالم والآثار الهامة وأهمها :-
— جامع عمرو بن العاص ويقع في دمياط نفسها وهو ثاني مسجد بني في مصر وقد قام بإنشائه الصحابي الجليل المقداد بن الأسود في عهد ولاية عمرو بن العاص علي مصر وهو يعد من أشهر وأقدم مساجد دمياط بصفة خاصة ومصر بصفة عامة وكان إنشاؤه بعد فتح المدينة عام 21 هجرية الموافق عام 642م علي نفس طراز جامع عمرو بن العاص بالفسطاط بمصر القديمة وبه كتابات كوفية وأعمدة يعود تاريخها إلي العصر الروماني ويطلق عليه أيضا مسجد الفتح نسبة إلي الفتح العربي الإسلامي لمصر ويتكون المسجد من قبة في وسطه ويحيط به أربعة إيوانات ويوجد بالجهة الغربية المدخل الرئيسي للمسجد وهو مدخل بارز عن جدرانه وبالقرب من الباب توجد قاعة المئذنة المربعة التي تهدمت إثر زلزال في العصور القديمة وأعجب ما في تاريخ هذا الجامع أنه تحول من مسجد إلي كنيسة إلي مسجد بضع مرات فحينما إستولي جان دي برين الصليبي علي دمياط عام 1219م حول هذا المسجد إلي كنيسة ولما خرج الصليبيون من دمياط عام 1221م تحول لمسجد مرة اخرى وفي عام 1249م حينما دخل لويس التاسع دمياط جعل المسجد كاتدرائية وأقام بها حفلات دينية عظيمة كان يحضرها نائب البابا ومنها تعميد إبنه الطفل الذي ولدته زوجته أثناء حملته علي مصر والذى سماه يوحنا وبعد هزيمة الصليبيين وأسر ملكهم لويس التاسع وقواده وخروجهم بعد ذلك من مصر تحول مرة أخرى إلي مسجد ومما يذكر أن هذا المسجد كان قد تم تجديده علي يد الفاطميين عام 1106م وحديثا أجريت ترميمات شاملة بالمسجد وتم إعاده إفتتاحه أمام المصلين في يوم الجمعة 8 مايو عام 2009م والذي يوافق عيد دمياط القومى والذي يوافق تاريخ إنتصار شعب دمياط على الحملة الصليبية بقياده لويس التاسع ملك فرنسا
— جامع المعيني وقد شيده التاجر الدمياطي محمد بن معين عام 710 هجرية الموافق لعام 1310م في عهد السلطان المملوكي الناصر قلاوون ويمتاز بضخامة البناء وإرتفاع الجدران والمئذنة وبداخل الجامع ضريح أحيط بمقصورة من الخشب مصنوعة علي طراز المشربيات العربية وكان قد شيد قديما فوق قناطر ليكون مرتفعا عن منسوب مياه النيل وما زال تحت المسجد قبو وفراغ فسيح ويعد من المساجد النادرة في الوجه البحري خاصة في تخطيطه وزخارفه وطريقة بنائه حيث بني علي الطراز المملوكي وإستخدم كمدرسة ويتكون كصحن مفتوح أرضيته محلاة بالفسيفساء ويضم أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة ولكل إيوان منها سقف مزين بالأخشاب بديعة الزخارف وكانت الإيوانات مخصصة لتدريس المذاهب الإسلامية الأربعة وجميع الأسقف بالمسجد ذات زخارف بديعة الصنع وبالمسجد قبة تسمي قبة الدياسطي وهي من القباب الإسلامية المهمة وقد بنيت خلال العصر العثماني وهي ذات قيمة فنية عالية وتنسب القبة إلى حسن الدياسطي بن جابر الأنصارى وهي قبة بصلية الشكل مقامة على حجرة مربعة ومنطقة الإنتقال من مربع إلى مثمن عبارة عن مربعات ومقامة على أربع مقرنصات على شكل عقد ثلاثي
— جامع الحديدى وهو مسجد أثري يقع في نطاق محافظة دمياط في مدينة فارسكور القريبة من مدينة دمياط وأنشيء سنة 1200هجرية وملحق به قبة بها إيوان في الجهة القبلية منها وقد أعيد ترميم أجزاء منه ما عدا القبة والمئذنة وأعلي الباب الغربي وهو من أقدم المساجد وقد تم هدم النسجد القديم وتم حاليا بناء مسجد جديد على نفس الطراز السابق وبكامل تصميمه الهندسي وهو من أشهر المساجد في القطر المصري كله وهو ذو طراز فريد في تصميمه المعمارى الرائع
— جامع البحر وهو أشهر وأجمل مساجد دمياط ويقع على الضفة الشرقية للنيل وقد تم تجديده للمرة الأولى عام 1009 هجرية في عهد الحكم العثماني وبنى على مساحة 1200 م2 على الطراز الأندلسي ثم أعيد تجديده وبناؤه للمرة الثانية على الطراز الأندلسي أيضا عام 1967م وجدرانه مزينة بأروع النقوش الإسلامية وله خمس قباب ومئذنتان وملحق به مكتبة ثقافية ودينية وقد أعيد ترميمه سنة 1997م وإفتتح ليلة الإسراء والمعراج عام 1418هـجرية
— طابية أحمد عرابي وتقع بالقرب من مدينة عزبة البرج المتاخمة لدمياط وهي قلعة تاريخية عمرها حوالي 200 عام وهي واحدة من القلاع الحربية الأثرية وهذه القلعة التاريخية تقع علي الشاطئ الشرقي للنيل علي مساحة 550 متر مربع ورغم أثريتها وتاريخها الذي يرجع إلي أكثر من مائتي عام إلا أن وزارة الثقافة وهيئة الآثار ومحافظة دمياط أهملوها جميعا لتتحول للأسف إلي وكر لتعاطي المخدرات ومقلبا للقمامة وتحتوي القلعة علي سلسلة من التحصينات الحربية التي أقيمت لحماية مصر من الغزو البحرى وأقامها الفرنسيون أثناء الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798م علي أنقاض مدينة عزبة البرج بعد هدمها إنتقاما من أهلها نظرا لمقاومتهم للحملة الفرنسية بشرلسة ودفاعهم المستميت عن أرضهم وبلدهم وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر ووصول محمد علي باشا إلي رأس السلطة في مصر نالت اهتمامه فرممها وجددها كما تم ترميمها مرة أخري في عهد عباس باشا الأول ومرة ثالثة في عهد الخديوى إسماعيل وتلك القلعة هي ذاتها التي شهدت مقاومة الشعب المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي للغزوات البحرية للإنجليز في عام 1882 إبان الهجوم الإنجليزي علي مصر ولجأ إلي هذه الطابية قادة الثورة العرابية وتحصنوا بها لمقاومة الإحتلال وأطلق عليها طابية عرابي منذ ذلك الوقت وجدير بالذكر أن الطابية تتكون من سورين يفصل بينهما خندق بإتساع 15 مترا ويوجد بها العديد من المباني الآثرية ومنها أبراج للمراقبة وأخري للدفاع وعدة غرف كانت تستخدم كمساكن للجنود ومخازن للسلاح إضافة إلي مسجد صغير
— بحيرة المنزلة وهي أكبر وأهم البحيرات الطبيعية الداخلية في مصر وأخصبها وتطل عليها أربع محافظات هي الدقهلية وبورسعيد ودمياط والشرقية وهي تتصل بقناة السويس من خلال بوغاز يحد بورسعيد من الجنوب ويسمى قناة الإتصال ويصلها بالبحر الأبيض المتوسط بوغاز الجميل ويتوفر بها أهم المقومات الطبيعية اللازمة لتربية ونمو الأسماك نظرا لتوافر المواد الغذائية الطبيعية وإعتدال المناخ طوال العام وتنتج ما يقرب من 48 % من إنتاج البحيرات الطبيعية في مصر وكان لإتصالها بالبحر الأبيض من خلال البواغيز والفتحات التي تسمح بتبادل المياه وتوازنها ودخول وخروج الأسماك ميزة ساعدت على وجود أفخر أنواع الأسماك في وقت من الأوقات ويشرف عليها مجلس مدينة المنزلة التابعة لمحافظة الدقهلية وللأسف تعاني البحيرة من المشاكل البيئية مثل القمامة ونفايات المصانع والتلوث الذى تسببه مياه الصرف القادمة من مصرف بحر البقر مما يؤدى إلي إنسداد البواغيز كما تعاني البحيرة من مشاكل من الناحية الأمنية بسبب عصابات الخارجين علي القانون والبلطجية الذين يستوطنون في الجزر المنتشرة فيها ويختبئون وسط نباتات البوص العالية التي تنمو بها مما يهدد بحدوث إنهيار في إقتصاديات المنطقة
وعن النشاط الصناعي في دمياط فإن المدينة تشتهر بتصميم وصناعة الأثاث المنزلي من الأخشاب بأنواعها وبمختلف المستويات وتباع هذه المنتجات ليس فقط داخل جمهورية مصر العربية ولكن أيضا للدول العربية والأوروبية وتتميز هذه الصناعة بالمتانة والجودة وتتم صناعة الأثاث في الورش الصغيرة ثم يتم بعد ذلك إرسالها للمعارض الكبيرة التي تقوم بعرضها للجمهور أو للتجار لتصديرها خارج البلاد كما يوجد بها مصانع كبيرة لتصنيع الأثاث بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة وبأحدث المعدات حتى أصبح لهذه المصانع إسما كبيرا في الأسواق العالمية كما تشتهر دمياط أيضا بصيد الأسماك وصناعة النسيج والأحذية والحلوى وتعليب السردين والجمبري كما تشتهر بصناعات الألبان ومنها الجبنة الدمياطي أشهر أنواع الجبن في العالم وتشتهر أيضا محافظة دمياط عن باقي محافظات مصر بصناعة الحلويات ومن أهمها المشبك الذي تشتهر به المحافظة ويعمل بهذه الصناعة العديد من أهل المحافظة في الكثير من مصانع الحلويات وتصدر تلك المصانع منتجاتها إلى العديد من الدول العربية بل وإلى بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا ويوجد بها أيضا قرية تسمي البراشية والتي بنيت مكان كنيسة وسميت على إسم كاهنها إبراشى وكان يوجد فيها كثير من المعالم السياحية ولكن آثار الزمن محتها من الوجود
وقد تم إنشاء كلية للفنون التطبيقية بدمياط وذلك لتخريج كوادر مؤهلة علميا وعلي أعلى مستوى للعمل في مجال الصناعات التي تشتهر بها المدينة وتعد كلية الفنون التطبيقية بدمياط مركز إشعاع ثقافى وفنى من خلال موقعها والرسالة التي تقدمها وتنقسم الكلية إلى ثمان أقسام وهي النحت والتشكيل المعمارى والترميم والتصميم الداخلي والاثاث والزخرفة والإعلان والتصميم الصناعي والنسيج وطباعة المنسوجات والملابس الجاهزة
وبهدف الحد من نمو مدينة دمياط القديمة وتوسعها على حساب الأرض الزراعية ومن أجل إستيعاب الخدمات التي تحتاجها محافظة دمياط والتي لم تكن موجودة من قبل مثل الجامعة والمناطق الصناعية وتنمية قطاع السياحة تم منذ سنوات البدء في إنشاء مدينة دمياط الجديدة وهي تقع في شمال محافظة دمياط وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول 5 كم وتبعد حوالي 4.5 كم إلى الغرب من ميناء دمياط الجديد وتشغل مساحة 18 كم2 وتستوعب حوالي 270 ألف نسمة بحلول عام 2020م بمشيئة الله تعالي وتحيط بالمدينة من الشرق والجنوب مساحات خضراء ذات طبيعة جذابة متمثلة في غابات النخيل وأشجار الفاكهة مكونة موقعا سياحيا فريدا هذا ويربط مدينة دمياط بباقي مدن مصر الطريق الساحلي الدولي الممتد من رفح شرقا وحتي السلوم غربا وطريق دمياط/شربين/المنصورة/ميت غمر/بنها/القاهرة
وقد ولد ونشأ في دمياط العديد من أعلام السياسة والعلوم والفكر والأدب والفن ومن أشهر من أنجبتهم دمياط في تلك المجالات :-
— الدكتور علي مصطفى مشرفة عالم الرياضيات الشهير
— محمد فهيم الجندي مؤسس صناعة الأثاث وأول من نال شهادات عالمية في فن صناعة الأثاث
— الدكتور زكي نجيب محمود الفيلسوف والكاتب الشهير
— الشاعر المعروف فاروق شوشة
— الشاعر طاهر أبو فاشا
— الدكتور شوقي ضيف أديب وعالم لغوي مصري ورئيس المجمع اللغوى الأسبق
— الفريق أول طيار مدكور أبو العز قائد القوات الجوية المصرية بعد حرب عام 1967م
— الفريق محمد سعيد الماحي قائد سلاح المدفعية في حرب أكتوبر عام 1973م
— الدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية الأسبق في وزارة حرب أكتوبر عام 1973م
— الشيخ رزق خليل حبة شيخ عموم المقارئ المصرية الراحل
— رفعت الجمال عميل المخابرات المصرية بإسرائيل والشهير بإسم رأفت الهجان
— المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق
— عبد الرؤف الريدي سفير مصر الأسبق في الأمم المتحدة
— حسام محمد زقزوق من أشهر و أصغر أئمة المساجد في دمياط
— الدكتورة عائشة عبد الرحمن الشهيرة ببنت الشاطىء الأديبة والكاتبة المعروفة
— الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصرى الأسبق
— الكابتن رفعت الفناجيلي لاعب الكرة الشهير بالنادى الأهلي في ستينيات القرن العشرين